
أحمد السباعي
الدرر الشامية: بُعد جديد أضيف لتداعيات الأزمة السورية على دول الجوار بعد تفجيرات الريحانية في تركيا، فقد كان يتوقع أن تُصيب نيران الأزمة الخاصرة الرخوة في دول الجوار (لبنان أو الأردن)، لكن الضربة وقعت داخل أراضي الجار التركي القوي، وعضو حلف الناتو، بتفجيرين خلفا عشرات القتلى.
أنقرة على لسان أغلب مسؤوليها حملت النظام السوري ومخابراته المسؤولية، وأعلنت عن امتلاكها لاعترافات من نحو تسعة أشخاص مشتبه بهم، إلا أن رد دمشق جاء سريعا، فهي لم تكتف فقط برد الاتهام ونفيه، بل وصفت رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأنه "قاتل وسفاح"، وأنه وحكومته يتحملون "مسؤولية مباشرة، سياسية وأخلاقية تجاه الشعبين التركي والسوري، والمنطقة، والعالم"، حسب قول وزير الإعلام السوري.
في سياق الاتهامات ذاتها، برز كلام أرشد هرمزلو كبير مستشاري الرئيس التركي عبد الله غل بقوله إن مؤشرات (كاميرات مراقبة وآثار الجريمة) تظهر قيام "مقربين من المخابرات السورية" بتنفيذ التفجيرين، وأضاف أن هناك أدلة جديدة تعكف السلطات على دراستها، للتأكد من هوية المنفذين بشكل قاطع.
ورغم تأكيدات وزير الداخلية التركي بتحديد هويات الأشخاص والمنظمة التي نفذت التفجيرين، فإن هناك حقائق أخرى-يضيف هرمزلو- من قبيل كيفية تنفيذ الحادث، والجهات التي تعاونت معهم في الداخل. وأكد أن هناك معطيات أخرى تفيد -كما قال نائب رئيس الوزراء- أن المنفذين كانوا متواجدين داخل تركيا قبل الأحداث بفترة، وأضاف أن أنقرة مصرة على المضي في التحقيقات حتى كشف المنفذين وملابسات الحادث.
وأضاف هرمزلو أن تركيا تدفع ثمن دعمها للثورة السورية، واعتبر "هذه الجريمة البشعة امتدادا لمجزرة بانياس" ومحاولة لجر تركيا إلى الساحة السورية، أو لإثارة "الحساسيات الموجودة" في هذه المنطقة الحدودية.
وخلص إلى أن "تركيا دولة قوية في كافة المجالات، وتستطيع الرد بحزم على جميع الأفعال التي تهدد أمنها ومواطنيها والمقيمين فيها"، وأشار إلى أن دعم تركيا للثورة السورية نهائي ولا رجعة فيه، وهي اختارت الوقوف مع "شعب ضد نظام يقتل ويقمع شعبه".
أردوغان المستفيد
كلام هرمزلو فنده المحلل السياسي القريب من النظام السوري عصام خليل بالتأكيد أن "المستفيد الأوحد" من تفجيري الريحانية هو "أردوغان وحكومته، لأنه يريد إخافة الشعب التركي، ويتمكن من حشده لتأييد سياسته العدائية ضد سوريا، لتحقيق مكاسب انتخابية في الاستحقاقات القادمة".
وأضاف أن هذه التفجيرات تفيد أردوغان أيضا "في عرقلة التوجه الدولي لإقامة مؤتمر دولي يسعى لحل سياسي للأزمة السورية" ومثل هذه التفجيرات تُطيح به.
وأوضح أن "إحالة الصراع في المنطقة لمرجعيات طائفية ليس توجها جديدا لدى الحكومة التركية وحلفائها"، وأضاف أن أغلبية سكان لواء الإسكندرون، والذين ينتمون للون طائفي واحد (علويون) مارسوا منذ بداية الأزمة السورية مواطنتهم التركية دون التدخل بها.
ولفت إلى أن السلطات التركية في حالة استنفار قصوى، لأن الوضع على الحدود غير مستقر، ووقوع التفجيرات في المنطقة عينها ثلاث مرات يعني أن المخابرات التركية مرتبطة بها.
وفي موضوع اللاجئين، يذهب خليل إلى القول إن تركيا ومنذ بداية الأزمة السورية قامت بإنشاء مخيمات لاجئين حتى قبل نزوح أي سوري. وهذا يعني "أن اللاجئين هم عامل استثمار سياسي لا إنساني لتركيا، وعندما ينتهي دورهم وغايتهم ستفعل ما بوسعها لإعادتهم إلى بلادهم".
ولخص خليل رد دمشق على أي "اعتداء تركي" بالقول إن بلاده تفاجأت بموقف أنقرة العدائي، وأضاف أن أي "حماقة" ستقوم بها حكومة أردوغان ستلقى الرد المناسب، وهي "جربتنا عندما أسقطت المضادات السورية طائرة تركية داخل الأراضي السورية".
شراء ذمم
الكاتب والباحث التركي محمد زاهد غل يكشف أن لدى السلطات التركية "معتقلين سوريين علويين وشبيحة مرتبطين ارتباطا وثيقا بالمخابرات السورية". وأوضح "أن العلويين الذين يسكنون لواء الإسكندرون الذي تعتبره دمشق أراض محتلة يحصلون على مكاسب تفوق ما يحصل عليه السوريون في الداخل" واستطاع النظام عبر هذه الامتيازات "شراء ذمم بعضهم باعتبارهم من طائفة قادة النظام".
وأضاف أن تركيا أحبطت أكثر من عشرين عملية مماثلة لتفجيري الريحانية، بناء على اعترافات لمعتقلين سوريين وبعض الأتراك المتعاونين معهم. وأضاف أن منفذي تفجيرات باب الهوى الذين فروا إلى الداخل السوري معتقلون لدى أنقرة.
واعتبر غل أن احتماليْ تواجد منفذي العملية في تركيا أو تسللهم لتنفيذ العملية قائمان، لأن الريحانية هي القرية الحدودية الأولى، وهذا يُعبر عن "عجز وضعف النظام السوري الذي فشل في التفجير داخل المدن الكبيرة، أو حتى مركز مدينة هاتاي". وعندما لم يستطع منفذو العملية استهداف الجيش التركي أو أي مصالح حكومية هاجموا أي هدف، حتى ولو كان مدنيا، للعمل على نقل الأزمة السورية لتركيا "وزرع الفتنة السنية الشيعية" من جهة، وتقديم ورقة للمعارضة التركية التي تعارض سياسة أردوغان تجاه سوريا، من جهة أخرى.
وأشار إلى أن أحد أسباب التفجيريْن هو التصريحات التركية المتصاعدة حول موضوع استخدام النظام السوري للسلاح الكيمياوي، ونشر وحدات طبية على طول الحدود التركية السورية لفحص الجثث والجرحى، للتأكد من وجود أي آثار كيمياوية عليها، إضافة إلى تصريحات أردوغان -قبل زيارته لأميركا- التي أبدى فيها استعداده للمشاركة في أي حملة عسكرية تشنها واشنطن ضد النظام السوري.
وختم المحلل التركي بالقول إنه حتى لو كان بين المتهمين لاجئون، فإن الحكومة التركية ستكرر أن المنفذين أتوا من الداخل، وذلك لحساسية الموقف الشعبي في الداخل التركي، والحفاظ على التعاطف الشعبي مع عشرات آلاف اللاجئين.
نقلاً عن الجزيرة