
ألقى السقوط المفاجئ للطائرة الروسية "إيل - 20" بسوريا، الحجر في مياه التنسيق "الروسي – الإسرائيلي" الراكدة في سوريا، فمعظم الخبراء بالشأن السوري أكدوا أن ما بعد السقوط لن يكون مثل ما كان قبل.
والتنسيق "الروسي – الإسرائيلي" في سوريا يشهد حالة من التوتر العاصف، وفي كل ساعةٍ تتجدد عقبات في طريق ذلك التنسيق الذي كان في يومًا ما مستقرًا، فاليوم قرَّرت روسيا تزويد "نظام الأسد" بمنظومة "إس – 300" الدفاعية، في محاولة لغلق سماء سوريا أمام طائرات جيش الاحتلال، وبعدها بقليل خرجت الولايات المتحدة لتحذر من تلك الخطوة، وتتهم إيران لأول مرة بشكلٍ رسميّ، بتورطها في حادث إسقاط الطائرة الروسية.
فإسرائيل كانت تعتمد على روسيا في حماية طائراتها ومنع المد الإيراني في سوريا، ولكن الآن الميزان قد اختل ضد مصلحة إسرائيل، وروسيا جُلّ ماتريده هو حماية قواتها بسوريا وهو ما قامت بعكسه إسرائيل، فكان لابد من الصدام بين الطرفين.
ولكن هل سيكون هذا الصدام دافعًا للانفصال بين الطرفين، وعزوف كل منهما عن الآخر؟، أم هي مرحلة "عض على الأصابع" بين الطرفين، وستنتهي باعتذار إسرائيلي عن ذلك التجاوز الخطير في حق حليفتها روسيا؟
بالطبع لن يكون هناك انفصال أو صدام مميت بين الطرفين، فكلا الطرفين ( روسيا وإسرائيل ) يحتاج كل منهما للآخَر، ويدرك كلاهما أهمية الطرف الآخَر له، وكل ما تريده روسيا من خطوة نشر منظومة "إس – 300" في سوريا، وفقًا للكاتب والمحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف؛ هو "تهدئة الأجواء السورية" والسيطرة على تدخلات الجانب الإسرائيلي في سوريا والتي أصبحت مصدر خطر على العسكريين الروس أنفسهم بسوريا.
فروسيا تدرك يقينًا أنها لا يمكن أن توقف التدخلات الإسرائيلية في سوريا، وإسرائيل لن تسمح بترك الإيرانيين يفعلون ما يشاءون في سوريا دون تدخل مباشر منها، وهذا ما أكده وزير جيش الاحتلال، أفيغدور ليبرمان، أن تل أبيب لن تتوقف عن شن عمليات في سوريا ضد الوجود العسكري الإيراني، على الرغم من الحادث المأساوي للطائرة الروسية.
وكذلك روسيا تعلم أن الوقوف في وجه الطائرات الإسرائيلية يعني الدخول في صدام حربي ضد إسرائيل وهي ما لاترغب فيه روسيا ولا إسرائيل كذلك، فكل ما تريده روسيا هو إحكام السيطرة على الأجواء السورية، وعدم السماح للطائرات الإسرائيلية بالتدخل إلا بمعرفتها التامة والتنسيق الكامل معها.
وهذا أيضًا ما أشار إليه الكاتب الإسرائيلي، عاموس هرئيل، في عموده بصحيفة "هآرتس" العبرية؛ حيث أوضح أن هذا الحادث وضع روسيا في حرج، خاصة أنهم اتهموا فرنسا فى البداية بالمسؤولية عن الحادث قبل أن يُحمّلوا إسرائيل بعد ذلك المسؤولية عنه.
وأضاف "هرئيل" أنه "ليس مريحًا للروس الاعتراف بأن صواريخ المضادات الجوية التى بأيدى النظام السورى والتى زوَّدوه بها أدت لموت جنود روس"، وأن التوتر بين روسيا وإسرائيل سيُجبر الأخيرة على تهدئة أنشطتها داخل سوريا خاصة فى سلاح الجو ولو لفترة مؤقتة.
كما رأى الكاتب الإسرائيلي، باراك رافيد، أن الاحتجاجات الروسية العلنية هى من قبيل (البروتوكولات فقط)، معتبرًا أن القنوات الدبلوماسية والعسكرية ستظل هادئة، وسط التفاهمات الطويلة بين الطرفين على ضمان حرية العمل للجيش الإسرائيلى فى سوريا، مؤكدًا وجود تسريبات حول وجهة النظر هذه خرجت من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، مؤخرًا.
أما بالنسبة لـ"نظام الأسد" فهو (بعد) مثل (قبل) عنده، لاجديد "مفعول به" دائمًا لا يملك حق المعارضة أو حتى الدفاع عن قواته، وليس خبر إلقاء القبض على كامل أفراد كتيبة الدفاع الجوي المسؤولة عن إطلاق الصاروخ على الطائرة الروسية، وتسليمهم للجانب الروسي للتحقيق معهم، سوى مثال واضح على ضعف وانبطاح "نظام الأسد" أمام روسيا.
وحتى أمام إسرائيل لا يملك "نظام الأسد" سوى "امتلاك حق الرد" في الوقت الذي لا يعرف هذا النظام متى سيكون!
لذا فإن ما بعد السقوط سيكون مثل قبله بالنسبة للتنسيق "الروسي – الإسرائيلي"، وسيستمر هذا التنسيق وكذلك ستستمر الغارات الإسرائيلية على سوريا، ولكن بعد فترة من "الهدوء المؤقت"، وبمزيد من التدقيق والسيطرة من الجانب الروسي لا أكثر.