
قارنت صحيفة "الوطن" السعودية بين ممارسات النظامين السوري والعراقي القمعية، مؤكدة مسؤوليتيهما عما يحدث في العراق وسورية. فيما قالت صحيفة "القدس العربي" إن ما يجري حاليًا في العراق تصعب قراءته على ضوء "منجزات" رئيس وزرائه المنتهية ولايته نوري المالكي وحدها، رغم طول القائمة الكارثية لهذه الأعمال وأثرها الفظيع على شعبه وعلى المنطقة ككل.
وأشارت إلى أن بين البلدين المشتعلين صورًا كثيرة متقاربة. ابتداءً من "ديمقراطية كرتونية"، تشوبها في الأساس شكوك وشبهات، وحياة أقرب إلى الـ"بوليسية"، وانتهاءً على أقل تقدير دون البحث في تفاصيل أخرى بـ"طائفية" مقيتة، وتمييز مذهبي.
وقالت إن التجربتين العراقية والسورية، النظامان هناك كلٌّ منهما على حدة، وضع "الإرهاب شماعة" لوأد مواجهة "المنتفضين المُتململين" من إدارتهما للدولة، وقبل ذلك بالطبع، سلخ البلدين من الهوية العربية. هذا أحد أهم الأسباب التي لفظت "الأسد والمالكي" في الشارعين، السوري والعراقي، بل حتى العربي.
وأضافت أنه في العراق مثلًا، حين أجمع أبناء محافظات عدة على ضرورة رحيل المالكي، واعتصموا لأشهر من أجل ذلك، خرج ملوحًا بالإرهاب تارة، وبعمالة أبناء المحافظات تلك تارة أخرى.
وتابعت أنه في دمشق، الحال كما هو في بغداد، حين انتفض الشارع السوري على نظام الأسد وخرج عن صمته بعد أربعين عامًا من حكم "الأسدين" الأب والابن، وزع رأس النظام تهم العمالة للخارج من جانب، ودعم صناعة تنظيمات إرهابية من جانب آخر. هنا لا بد من التذكير بمعطيات عدة، تفيد بدعم لوجستي قدم للإرهاب أسسًا في طهران، ونفذته دمشق وبغداد، بالتبادل.
وختمت بالقول إن مشكلة نظامي "الأسد والمالكي" هي المشكلة ذاتها. انتهاج "ديمقراطية طهران المذهبية"، القائمة على الإقصاء، وركن الآخر، وتبني سياسة "إن لم تكن معي فأنت ضدي" مدعومة بالسعي للهيمنة على المنطقة. القضية ليست "مؤامرات وعمالة للخارج". القضية "إرهاب أنظمة".
وفي السياق ذاته، قالت صحيفة "القدس العربي" إن ما يجري حاليًا في العراق تصعب قراءته على ضوء "منجزات" رئيس وزرائه المنتهية ولايته نوري المالكي وحدها، رغم طول القائمة الكارثية لهذه الأعمال وأثرها الفظيع على شعبه وعلى المنطقة ككل.
لكن التذكير بأهمها لا يضرّ وهو: جعل العراق، وهو البلد الغنيّ اقتصادًا وثقافة وحضارة، واحدًا من أكثر البلدان فسادًا وتخلّفًا وتراجعًا على كافة الأصعدة.
لتأمين "خطف" البلد "إلى الخلف" (في استعارة للمصطلح السينمائي) كان على المالكي أولًا تجميع الصلاحيات العسكرية بين يديه، وتكييف الأجهزة الأمنية لتكون طوع إشارته، وافساد وتطويع مؤسستي البرلمان والقضاء، ليستخدم كل صلاحياته الواسعة هذه في إعادة تكرير الاستبداد العراقيّ المزمن، ولكن بالانتخابات، التي نشهد الكثير منها في المنطقة العربية حاليًا!
وأشارت الصحيفة إلى أن حلّ الجيش العراقي وتصفية الكثير من كوادره العلمية الذي يحسب للاحتلال الأمريكي والاستخبارات الإيرانية والإسرائيلية، كان الخطوة المنهجية الأولى لإعادة تفكيك العراق وإعادة قولبته، وجاء بعده قانون "اجتثاث البعث" ليكمل مطاردة كوادر الدولة السابقة وأيّ خصم سياسي محتمل، ومع مجيء المالكي اكتملت مراكز الاستبداد والتدمير المنهجي لأسس المواطنة بتدعيم انفصال العراقيين إلى شيعة وسنة وأكراد، وتأكيد قانون الغلبة على الجميع.
لكن وزن الاضطهاد الأكبر وقع على المكوّن السنّي الذي تعرّض لإقصاء مبرمج فتح الباب واسعًا أمام التنظيمات الراديكالية السنية المتطرّفة، فأعطى بذلك دينامية كبيرة أحيت سرديّات النزاع القديمة جدًّا بين السنّة والشيعة، فتحوّلت الصراعات السياسية التي أدواتها الأحزاب والنضالات المدنية والنقابية والاعتصامات والتظاهرات إلى خلافات دموية لا يمكن حلّها حول علي وعمر وأبو بكر وعثمان وعائشة وفاطمة، وهو ما أعطى حقنة إنعاش أيضًا لكل أشكال النزاعات في التراث الإسلامي التي مادتها صراعات السنة والشيعة والدروز والنصيريين والزيديين والأباضيين، خالقة جوًّا محمومًا من التعصّب الأعمى، أججته مطامح إيران الإقليمية ودعم ميليشياتها من حوثيين وحزب الله ولواء أبو الفضل العباس وعصائب أهل الحق والحرس الثوري وغيرها، وكذلك فضائيات السلفيّة الطائفية المقابلة، فانتعشت تنظيمات "جبهة النصرة" و"داعش" و"أنصار الشريعة" و"الشباب"، وهو ما خلق مشهدًا مرعبًا في كل المنطقة العربية وجوارها.
وأضافت أن الثورة السورية عام 2011 جاءت لتعطي أملًا كبيرًا للعراقيين بإمكانية كسر الطوق الإيراني الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت، وحاولت بعض المحافظات السنية استخدام طرق الاعتصام والتظاهر السلميّة، كما فعلت الشعوب العربية في غير مكان، فتضافر القمع الأمنيّ مع انعدام التعاطف الشيعي والكرديّ ليقضي على أمل سنّة العراق بإمكانات العمل السلمي ويشككهم بالهوية الوطنية العراقية أيضًا.
وأكدت "القدس العربي" أنه كما تأثر العراقيون بالثورة السورية، تأثر السوريون بالصيرورة العراقية، فتجادلت التحوّلات التي طرأت على بلاد الشام، من عسكرة وتطييف وتجذّر وتطرّف، مع استعارة خبرات الحركات الراديكالية في العراق، وكان اكتمال ذلك في ابتداع ما سمي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التي اعتبرها النظام السوري هديّة من السماء لضرب الأسس المدنية والديمقراطية للثورة السورية واستخدامها فزّاعة للدول الغربية تسمح بتعويمه وإعادة تأهيله عالميًّا.
وفي المقابل استعار النظام العراقي تكتيكات النظام السوري فتداول الإعلام قصص هروب المئات من أفراد تنظيم "القاعدة" من السجون العراقية، وغيرها من قصص عن هروب حاميات عسكرية وأمنية (كان آخرها هروب الجيش العراقي في الموصل) لاستدراجهم لاحتلال المدن السنّية، ومن ثم محاصرتها واستهداف حاضنتها الاجتماعية بالبراميل المتفجرة والقصف المدفعي وتحويلها إلى كمّ اجتماعيّ بائس ومهمل يتلقّى معونات النزوح.
يجسد نموذجا المالكي والأسد في تفكيك وحدة وهويّة بلديهما للحفاظ على الكرسيّ نموذجًا متطرّفًا لكنّه لا يختلف كثيرًا عن ممارسات أنظمة عربية وإقليمية، وهو أمر لا يبشّر، أبدًا، بالخير لشعوب المنطقة.
يبقى أمر يسير وحيد يجب تذكير المستبدين به: إذا لم تعامل البشر كآدميين فسيعودون إليك كوحوش، وسيلتهمونك فيما يلتهمون.