المصري والسوري.. جمعتهما الثورة بعد أن فرقتهما الأنظمة

المصري والسوري.. جمعتهما الثورة بعد أن فرقتهما الأنظمة

 

تقرير إخباري – عبد الرحمن ضاحي

الدرر الشامية: لم يكن يعلم أن صورته مع ابنته الوحيدة في المطار ستكون آخر صورة له معها قبل أن يسافر للجهاد ضد طاغية الشام في سوريا ، و ربما أيضاً لم يكن يعلم أن صورته وهو يقبل يد والدته ستكون آخر عهده بها قبل أن يفارقها ذاهباً لإستشهاده .

 

سافر محمد محرز الى سوريا في 19 يناير الماضي لينضم الى قوافل المجاهدين ضد عصابات بشار الأسد ، بعد علمه من أحد أصدقائه المجاهدين أنهم بحاجة الى مقاتلين ، و تلقى محمد تدريبات لمدة أسبوعين ثم شارك عملية ضد قوات الأسد قبل أسبوع ، ثم استشهد في عملية ثانية في حلب برصاص غادر من قناص قالت زوجته بأنه تم قتله من قِبَل المجاهدين .

 

تروي زوجة محمد محرز أنها منذ معرفتها به وهو يسعى إلى الشهادة، ويتلمس ميادين الجهاد، ولا يكاد يجد مجالاً للجهاد إلا و اغتنمه حتى بلغه الله ما يريد ، فقد كان وقت الثورة المصرية في ليبيا وكان حزيناً جداً لعدم مشاركته فيها ، ومنذ اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس 2011 و بداية الكفاح المسلح ضد جيش الطاغية ، و محمد يسعى للمشاركة مع المجاهدين ، و بالفعل اجتهد و في التواصل مع ثوار سوريا، فأخبروه بأنهم لا يحتاجون لمقاتلين في الوقت الحالي ، فقبل الأمر على مضض و تبرع بكل ماله للثوار لدعمهم .

 

ومع الوقت جاءت الفرصة التي تمناها محمد منذ زمن ، و تواصل مع أحد أصدقائه المجاهدين في سوريا و وقال له بأنهم بحاجة الى مقاتلين في سوريا ، فسارع محمد باستفتاء علماء ، فأذنوا له و سافر للجهاد .

 

تدرب محمد على فنون القتال أسبوعين قبل أن ينزل الى  ساحة المعركة ، و بعدها قام بتنفيذ عملية ضد قوات الأسد ، وتبعها بعملية ثانية في مدينة حلب كان فيها مقتله بعدما استهدفه قناص من قناصة الأسد ، وقد أكد رفاقه أن القناص الذي استهدف محمد قد تم تصفيته ، بعدها صلى المجاهدون عليه ، ودفنوه مع شهيدين آخرين في أرض الجهاد .

 

كتب محمد وصيته قبل سفره الى أرض الجهاد ، حوّت العديد من المعاني التي دلت على صدق ما انتهى اليه مصيره ، فبعد أن استهلها بحمد الله و الثناء عليه و الصلاة و السلام على رسوله محمد صلى الله عليه و سلم قال فيها "

 

إن ما أخرجني لسوريا هو إقامة فريضة غابت عن كثير من أبناء أمتنا ألا وهي فريضة الجهاد، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "ما ترك قوم الجهاد إلا عمّهم العذاب"، وقال أيضا " إذا تبايعتُم بالعِينةِ، و أخذتُم أذنابَ البقرِ، و رضِيتُم بالزَّرعِ، و تركتُمُ الجهادَ سلَّط اللهُ عليكم ذُلًّا لا يَنزِعُه حتى ترجِعوا إلى دِينِكم".

 

وها نحن نرى صنوفا من العذاب والذل بسبب تقاعس المسلمين عن أداء هذه الفريضة، وقد عملت على ملف اللاجئين السوريين وعلمت وخبرت مآسي عدة وإن الله قد أمرنا بإغاثة الملهوف ونصرة المظلوم فما كان لي أن أقعد وإخواني يذبحون، وما كان لي أن أتأخر وأمامي سبيل يسره الله لي وهو الذي أمرنا بالنفير خفافا وثقالا "انفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ"، وأخرجني لسوريا قوله تعالى "وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ" فكيف لشاب في سني لا يستطيع حمل السلاح ولا يعلم فنون القتال؟ وأخرجني للشام قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليكم بالشام" و "عقر دار المؤمنين بالشام"، والخلاصة أن ما أخرجني الآيات والأحاديث التي تتحدث عن فضل الجهاد ونصرة المظلوم، وخاصة سورتي الأنفال والتوبة التي أوصيكم بتعلمهما وتعليمها لأبنائكم."

 

و عن أهله قال لهم " وإني أوصي زوجتي وأهلي جميعاً ألا يخرجهم الحزن إلى الجزع، فمن أحبني منهم فليصبر وليحتسب وليعوض حزنه بالصدقة عني حيث أكون أحوج ما أكون إليها.

 

وأوصيهم أن لا ينسوني في دعائهم فما قدموا لي شيئاً أنفع منه ولا بروني بشيء يفضله فليحرصوا عليه، خصوصاً في مواسم الخيرات والأوقات التي يُتحرى فيها الدعاء وأوصيهم بأن يجعلوا همهم لله والدار الآخرة".

 

كما أوصى زوجته بتربية ابنته الوحيدة بالحسنى و تعليمها "خريطة العلوم الإسلامية" التي حددها لها ، كما أوصاها ببر والدته و أخوته ، و أردف بأن يتم تخصيص مبلغ كصدقه جارية له .

 

برغم إغلاق محمد لحسابه الشخصى على موقع التواصل الإجتماعي على "الفيسبوك" إلا أن سيرته العطرة فاحت في أرجاءه ، بداية من زوجته الى رفقاءه .

 

فزوجته التي رثته فقالت  "أولن تربي معي ابنتنا؟! ليتني أنجبت منك عشرًا..  إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم لك الحمد.. اللهم اؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها".

 

أما أصدقائه فقال أنس السلطان : " محمد كان صاحب فكر إسلامي" و من أوائل من أسسوا مدونات الرأي وله نشاط سياسي مذ 2005 ، وسافر كثيراً الى قطاع غزة دعماً للمقاومة الفلسطينية .

 

أما أميرة محمد محمد فقالت : " هناك من كان جهاده أن يترك زوجته الحبيبة و طفلته الجميلة و أمه الحنون و أصدقائه الذين يحبونه و أخوته الذين يدعمون بين يدي الله ، ليذهب فيعطي نفسه في سبيل الله ، رحمك الله أخي محمد وحم معك كل الشهداء وربط على قلوب أحبائكم ".

 

أما اسماعيل الشريف فقال : " ما آلمني في فراق أبو ندا هو نفسي ، الشهيد كان محامي ومتزوج وله طفله ومن عائلة كريمه وعريقة .. ترك مركزا ووضعا مرموقا في المجتمع .. ترك مركزا ووضعا مرموقا في المجتمع ..جاهد الزوجة والإبنة والعمل .. جاهد الأصدقاء والأهل .. الشهيد ذهب بشكل سري، لم يعلم الكثيرون سفره .. أغلق حسابه على الفيس .. هو لا يريد سياحة وشهرة .. لا يريد تصوير " .. " كان صادقا فجاهد نفسه و كنا كاذبين فمكثنا في هذا السراب الدنيوي".

 

و أخيرا و ليس آخرا .. كتب الكثير شعراً للثورة السورية بل وأنشد لها أكثر منهم ، ولا تزال دماء محمد محرز و أخوانه المجاهدين تسطر أفصح الأشعار و أعذب الأناشيد ، فهم من اختصروا طريق النصر في ثورة على نظام لا يعرف إلا لغة القمع و البطش. فلله دره.




إقرأ أيضا