في مخيمات الموت

في مخيمات الموت

 

عبد الرحمن ضاحي

الدرر الشامية: من أراد الحرية عليه أن يدفع الضريبة .. بهذه الكلمات يسلي السوريون أنفسهم في ثورتهم التي لم تكتمل إلى الآن ضد نظام بشار الأسد وميليشياته، ولكن يبدو أن الضريبة التي تحملها السوريين باهظة على غير ما تم دفعه في دول الربيع الأخرى.

 

فوفقاً لتقارير التنسيقيات في الداخل وتقارير الهيئات الدولية فقد تعدى قتلى الثورة السورية الـ60 ألفًا، بينما تجاوز عدد اللاجئين في الدول المجاورة الـ 600 ألف شخص، أما من شُرد داخل سوريا فلا توجد إحصائية محددة ولكن يقدر بعضهم بأكثر من مليون سوري .

 

ويتمركز اللاجئون السوريون في دول الجوار بشكل خاص ، كالأردن ولبنان والعراق وتركيا، وفي الشمال الأفريقي كمصر، ومن المؤسف أن الظروف المعيشية الصعبة عامل مشترك بين أغلب اللاجئين في الدول ، نظراً لعدم استيعاب بعض الدول لهم، وعدم توفير بيئة مهيأة للحياة الطبيعية .

 

ففي الأردن لجأ 290 ألف سوري إلى مخيمات الرمثا والزعتري ومريجب الفهود ومنشية العليان وحديقة الملك عبدالله والسايبر سيتي، ويعد مخيم الزعتري من أسوأ المخيمات ظروفًا في الأردن وأكبرها حيث يضم قرابة 50 ألف لاجئ.

 

ويعاني لاجئو الأردن من سوء الأحوال المعيشية بدرجة كبيرة ، ففي العاصفة الثلجية الأخيرة وقعت عدة حوادث دامية ، ففي مخيم الرمثا اندلع حريق تسبب في وفاة 7 أشخاص من عائلة واحدة , وفي مخيم الزعتري خلفت موجة البرد الأخيرة عدة قتلى أغلبهم من الأطفال بسبب الظروف اللاإنسانية التي يعيش فيها أبناء المخيم .

 

وعن آراء اللاجئين داخل الأردن قال عجوز سوري في مخيم الزعتري شاكياً البرد: "متنا من البرد.. خافوا الله"، و يقول آخر: "يبدو الأمر كما لو أننا عدنا إلى العصور القديمة... نعيش بلا كهرباء ولا مياه ولا أي شيء".

 

وقد انتشرت الأمراض في مخيم الزعتري بالأخص نتيجة للظروف المعيشية السيئة، حتى تفشى مرض الإسهال والجرب.

 

ولكن مع كل هذه الظروف العصيبة للاجئين كان للحكومة الأردنية رأي آخر؛ فقد صرح رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور أن بلاده لن تسمح بتدفق آلاف اللاجئين السوريين إلى أراضيها في حال تدهور الأوضاع في سوريا، كما أوضح أن "الأردن لن يشجع السوريين على اللجوء إلى أراضيه".

 

ولكن موقف شعب الأردن كان على النقيض من حكومته؛ فقد نظمت الهيئة الأردنية لنصرة الشعب السوري وقفة أمام مقر الأمم المتحدة في الأردن وطالبوا بإغلاق المخيم، والسماح للأردنيين بالتكفل بإخوانهم لحين انتهاء الثورة السورية ، و صرحوا أن الآلاف المواطنين الأردنيين وقعوا على ذلك .

 

أما في تركيا .. فيوجد أكثر من 150 ألف لاجئ يعيشون في 15 منطقة ، و تعتبر تركيا من أفضل نسبيًا من بقية الدول المستضيفة للاجئين، إلا أن بعض المخيمات تعاني من قلة المياه وانقطاع الكهرباء مثل المخيم الكائن بمنطقة "الريحانية" وفي ولاية "هاطاي".

 

وتحكي إحدى السوريات عن معانتها داخل المخيم فتقول: "نضطر إلى جلب المياه من القرى التركية المجاورة، ونقوم بجمع الحطب وإيقاده، لكي نطهو عليه ما تيسر من مواد غذائية قدمها لنا فاعلو الخير".

 

أيضًا يعاني اللاجئون من بعض الصعوبات التي يواجهونها عند المعابر السورية  التركية وإشكالات الدخول للأراضي التركية ، فالعائلات تبيت بالأسابيع لحين يسمح لها بالدخول .

 

وفي لبنان .. أوى أكثر من 200 ألف لاجئ إلى الداخل اللبناني، وللأسف لم يختلف لبنان عن غيره من الدول، فسوء الأحوال المعيشية مقارب لما في الأردن .

 

ففي بعض المناطق الباردة نسبيًا في لبنان وتحديدًا في محافظتي البقاع والشمال ، لم يتمكن السوريون من إيجاد أماكن للسكن فاضطروا إلى بناء خيم في العراء. 

 

ووفقاً لإحدى الجمعيات الإنسانية في لبنان فإن هناك عائلات تعيش في ظروف عصيبة للغاية ، ففي غرفة واحدة لا تتسع سوى لـ3 أشخاص يعيش ما بين 20 أو30 شخصًا، إضافة إلى عدم توفر البنى التحتية، الأمر الذي يؤدي إلى حالات مرضية في صفوف الأطفال والنساء .

 

و قد زاد الطين بلة بتصريحات وزراء موالين للأسد في الحكومة اللبنانية بإغلاق الحدود مع سوريا ومنع تدفق اللاجئين وترحيل اللاجئين الموجودين، الأمر الذى أثار استياء كثير من اللبنانين أنفسهم .  

 

أما في العراق .. فالمعاناة صارت معانتين بسوء الأحوال المعيشية وموالاة النظام العراقي لنظام الأسد ، فسمح رئيس الوزراء العراقي بدخول السوريين إلى بلاده بعد زيادة الضغط عليه و تكتل السوريين على الحدود ، فأقام عدة مخيمات و قام بحصار اللاجئين فيها و عدم السماح لهم بنزول بغداد أو غيرها من المدن العراقية .

 

و يحكي بعض اللاجئين عن تعنت السلطات العراقية معهم ، فقال أحدهم: أتمنى أن  يُسمح لي بمغادرة المخيم لزيارة أقاربي في العراق، لعل ذلك يخفف من فراق الوطن ومعاناة الهجرة والمخيم.

 

ويعاني اللاجئون في الداخل العراقي من الأوضاع السيئة شتاءً وصيفًا، ففي الصيف الأتربة والغبار في كل مكان، وفي الشتاء يحاصر الثلج مخيمات اللاجئين .

 

وقد انتقد بعض ساكني المخيمات المنظمات الدولية وحكومات الدول التي لجأ إليها السوريون إهمال المخيمات وعدم توفير مساعدات كافية لهم. أما الأمر الذي يدمي القلب فهو أن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أعلنت أن نصف اللاجئين السوريين في دول الجوار هم من الأطفال.

 

هرب السوريون من جحيم بشار الأسد إلى بلدان مجاورة أحسنوا فيها الظن أنها ستكون لهم مأوى ونزلاً كريمًا.. ولكنهم وجدوا أن بعض الأنظمة الحاكمة ضاعفت لهم العذاب ضعفين، عذاب التهجير من الأرض وعذاب الحياة المزرية في المخيمات.




إقرأ أيضا