"الزلزال الأممي شدته/0.01/ على مقياس ريختر"

"الزلزال الأممي شدته/0.01/ على مقياس ريختر"

"إن الله معنا" جملة قصيرة يستلُّها السوريون الآن من القرآن الكريم ليكتبوها، ومعها عبارات أخرى ترادفها معنى على صفحات مأساتهم أو ليرددوها بأصواتهم المخنوقة تحت وفوق ركام بيوتهم التي دمرها الزلزال وقد قطع كثيرون منهم الشك أخيرًا في تخاذل المجتمع الدولي عن واجب إنقاذهم بيقين التآمر ضدهم. للمشهد هنا روايتان أولهما يفترض فصل الجانب الإنساني عن السياسي ليدعو إلى مساعدة المنكوبين باعتبارهم ضحايا كارثة طبيعية، وفي معزل عن كل ما سبقها من صراعات بين النظام المجرم والثائرين عليه.

بينما يتحدث السيناريو الثاني عن سياق من الكوارث السياسية التي ألقت بملايين السوريين بين أنياب الزلزال الجيولوجي وليس من المنطقي تجاهلها عند الحديث عن وجهة عمليات الإغاثة.

كان لابد والحال هكذا من ألم الانتظار بكلفته البشرية الباهظة حتى يكتمل سيناريو الأحداث على أرض الواقع ويصل إلى نتيجته الفاجعة التي قد لا تختلف عليها المَشاهد.

في السادس من شباط وقع الزلزال المدمر وتحدثت الأنباء عن ضحايا بأعداد بالعشرات أو المئات في اليوم الثاني صارت خانات الأرقام أربعًا وفي الثالث هبت عشرات الدول لإرسال فرق الإغاثة إلى الجانب التركي ثم في الرابع بدأ المنكوبون في شمال غرب سوريا يدركون أن مناطقهم على هامش "حنان العالم"، التزامًا بقرارات سابقة كانت توافقت عليها ماتسمى بالدول الكبرى في الأمم المتحدة حول طرق إرسال المعونات. ومع حلول اليوم الخامس تعالت التساؤلات عن عدد الأيام التي يستطيع الإنسان فيها أن يبقى على قيد الحياة من دون ماء أو غذاء.

عند هذا الجزء المروع من السيناريو سيطل فاصل سياسي قصير وقد يقال "إن قليلًا من السياسة لن يزيد كمية الركام على أجساد الناس المطمورين تحت أنقاض بيوتهم في شمال غرب سوريا ولن يقلل كمية الأكسجين التي نضبت لديهم أو تكاد".

غير أنه قد ينفع في مساعدة الباقين على قيد الحياة هناك ومن يتعاطفون معهم على رؤية ما يتوارى من أجزاء الصورة وراء الركام، وهي أجزاء ستظهر فيها: - الولايات المتحدة الأمريكية التي غزت العراق واحتلته برغم أنف الدول الكبرى والصغرى في الأمم المتحدة قد صارت تتحجج منذ سنين "بالفيتو الروسي" في مجلس الأمن الدولي، لتمتنع ومعها بقية الدول الغربية عن إدخال كيس من الأغذية والأدوية إلى شمال غرب سوريا إلا بموافقة الكرملين. _ أما أكثرية أنظمة حكام العرب فما عاد لديهم همٌّ فيما يتعلق بالشأن السوري سوى تعويم نظام "بشار الكبتاجوني" حتى ولو على دم ضحايا الزلزال. - في حين أصبحت الدول الإقليمية الكبرى تتلاقى أيضًا على الموقف نفسه أو لا تعترض عليه وإن كان لكل منها سببه المختلف. -تركيا انكفأت على معالجة نصيبها من الزلزال عشية انتخاباتها المرتقبة في أيار مايو المقبل. -وإيران تواصل التمسك بموقفها في نصرة عصابة الإجرام. -والاحتلال الإسرائيلي الذي حظي بجبهة هادئة في الجولان طوال خمسة عقود من حكم آل الأسد والمحكومة اليوم بيمين ديني متطرف تعتبر بلسان حاخاماتها أن ما حدث "عقاب إلهي للمسلمين بعربهم وأتراكهم على حد سواء"

بالعودة إلى مشاهد الأحداث ومع حلول الأسبوع الأول لن يوجه العالم سمعه لتساؤل آلاف السوريين عن عدد الخيانات الكبرى التي يمكن للضمير الإنساني أن يبقى بعدها على قيد الحياة، خصوصًا بعد أن تبين أن مقياس رختر للضمير قد سجل شدة/0.01/ على المشاهد السابقة وبعد عدة أيام ستطوى صفحة موت الشعب السوري ويعود سادة الكون ليستأنفوا خطط إيصال مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات إلى أوكرانيا حتى تنتصر على الغزو الروسي. وطبعا تحت شعارات قيمية عنوانها "الحق ينتصر على الباطل" .

بقلم: 
محمد سنكري



إقرأ أيضا