
يعد نظام الأسد من أعتى الأنظمة وأشدها ديكتاتورية في هذا العصر، فقد قتل آلالاف من الشعب وسلب حياة الأبرياء ومسح مدنا وبلدات بأكملها من الوجود، خصوصًا بعد التدخل الروسي والإيراني، فروسيا من الجو تقصف وتغير بالغارات الجوية المحملة بأطنان من المواد المتفجرة على رؤوس الأبرياء والمدنيين في القرى والبلدات المحررة، وإيران عبر ميليشياتها الإرهابية تقتل وتنهب وتسرق وترتكب الجرائم الفظيعة، كل هذا تحت مرأى ومسمع من العالم أجمع، العربي والغربي على حد سواء، والقليل القليل من يتحرك أو تتحرك فيه نخوة الإسلام والعروبة والإنسانية حتى، نقول هذا بمنتهى المرارة.
أكملت الثورة السورية عامها العاشر واقتربت من العام الحادي عشر، فبرغم من الجراح والآلام التي مرت بها وشهدتها العشرية الماضية، إلا أنها صمدت واستمرت في طريقها معلنة رفضها للأسد ونظام حكمه، فبرغم انحصارها في شمالي غرب البلاد إلا أنها ماضية في أهدافها، فقد أثبتت حقها في الحياة والوجود، في مشهد هو في الحقيقة يعطي الدروس والعبر للبشرية في المقاومة والنضال من أجل تحقيق الأهداف، هي رسالة واضحة أن المطالب العادلة لا بد وأن تتحقق يوما ما، وهي إلهام للشعوب الجريحة أن عبق الحرية وحلم الكرامة ما هو بالشيء البعيد أو المستحيل كما تحاوله تصديره بعض وسائل الإعلام وبعض الشخصيات الدينية الوظيفية أو المغرضة.
يعيش اليوم أكثر من 7 مليون إنسان في شمال غرب سوريا خارج سلطة الدولة الأسدية، وأكثر من هذا العدد، مهجّر في دول الجوار لاجئين جراء الحرب، فهذا يكفي ليكون متنفسا لكل فقير وجريح ومكلوم أن الفرج قادم وممكن، وأن الانعتاق من الطغاة ليس بالمستحيل.
هذا درس ينبغي ألا يعزب عن أفكارنا ومخيلتنا قط، لذلك عمد أعداء الحرية والحياة، بعد عجزهم عن مقاومة هذا "الكابوس" إلى محاربته بطرق عدة وأساليب وحيل، فالحرب اليوم ليست عسكرية فقط، وإنما نفسية وإعلامية وأمنية وسياسية واقتصادية، ولهؤلاء من مراكز التخطيط والدراسات للقضاء على ثورات الشعوب المظلومة الشيء الكثير، وهذه حقيقة أخرى يجب ألا تغيب عنا، وعلى أفراد هذه الأمة إعداد العدة والتجهيز لمواجهة هذه الخطط الرهيبة التي تستهدف كياننا وقضيتنا العادلة.
فمن هذه الحيل، نزع جذوة القضية من صدور الشعوب وإماتة مبدأ الثورة من قلوبهم، وذلك عبر إطالة أمد الحرب وتكرار مشاهد الدم، والتركيز على المشاكل والصعوبات وبعض الآثار السلبية التي خلفتها الثورات العربية، مع قتل كل معاني النخوة والفخر والاعتزاز بنتائج الثورات وما حققته من حرية وكرامة وخروج من حظيرة الطغاة، هذه الحيل والمكائد وغيرها من اساليب المكر، دفعت الكثير من الناس إلى تبلد الإحساس وغياب الحس لديهم والوعي لما يجري لأهل سوريا أو غيرها، فأصبحنا نرى مجازر فظيعة تشيب لها الولدان، يقتل أطفال رضع وشيوخ ركع وتقصف أسواق ومساجد، ولا يندد أو يشجب أو يصرخ إلا أهالي الشهداء في غالب الأحوال، ولا تنتفض شعوب العالم، أو تخرج في مظاهرات، حتى الجمعيات والهيئات والمنظمات لا تكاد تسمع لها ركزا، وكأن دماء الشعب الملكوم ماء وكأن الأطفال الذين يقتلون والنساء التي ترمل، تستحق القتل والإعدام والخروج من هذه الدنيا؟!
واقع مرير وحال مؤسف، أن يصبح هذا فينا وفي عالمنا العربي، في الغرب الناس تتعاطف مع قطة إذا أصابها المكروه وتسكب عليها دموع التماسيح، وفي سوريا حاكم وغد يقتل شعبه بالكيماوي والعالم يتفرج!