
تترقب مناطق الشمال السوري ما سيخرج عن اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مدينة سوشي، وبينما يسود مشهدٌ ضبابي عما سيناقشانه أو يتفقان عليه تَرسم سلسلة من الرسائل "النارية" وقعًا خاصًا على الميدان.
ومنذ الأحد شهدت المناطق تطورين لافتين، الأول أحدثته ضربات جوية روسية استهدفت معسكرات لتحالف "الجبهة السورية للتحرير" المدعومة من أنقرة في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، ما أسفر عن مقتل عسكريين وإصابة العشرات، في تطور لافت وذا دلالات، بحسب عسكريين.
أما الثاني فهو إعلان وسائل إعلام مقربة من النظام السوري الاثنين عن ضربات صاروخية استهدفت أراضٍ زراعية في مناطق متفرقة بريفي القرداحة وجبلة في محافظة اللاذقية.
وذكرت إذاعة "شام إف إم" التي تبث من العاصمة دمشق أن القصف لم يسفر عن أضرار، وأن "الدفاعات الجوية الروسية في قاعدة حميميم تصدت للقذائف".
وتعد جبلة والقرداحة من أبرز المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وتعتبر ضمن ملاك الغطاء الجوي والعسكري للقوات الروسية المتمركزة في قاعدة حميميم، أبرز وأهم القواعد التي أنشأتها موسكو، منذ الأيام الأولى لتدخلها العسكري في البلاد، في سبتمبر 2015.
ونادرا ما تتعرض تلك المناطق لضربات كهذه، ما يثير تساؤلات وتكهنات عن الجهة التي نفذتها والأهداف التي تقف وراء هذا التحرك في الوقت الحالي، والذي يوصف بـ"الحساس".
ويقود المشهد الميداني العام في الشمال والشمال الغربي لسوريا إلى أن التصعيد "بلغ الذروة"، خاصة أن مساراته لم تعد تقتصر على حدود برية متواترة وكانت مرسومة في السابق، ليتعدى ذلك إلى مناطق "الخط الأحمر" لدى الروس من جهة والأتراك من جهة أخرى.
"مواقف متضاربة"
في مقابل ما تشهده مناطق الشمال السوري على الأرض لا يلوح في الأفق أية مؤشرات بالسلب او الإيجاب لما سيتوصل إليه الرئيسان التركي والروسي.
قبل أيام اعتبر إردوغان أن نظام الأسد يشكل "خطرًا وتهديدًا" على حدود بلاده الجنوبية، متوقعًا أن يفعل بوتين "شيئًا حيال ذلك".
بعد ذلك خرج وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بتصريحات من نيويورك، هدد فيها بالتصعيد في محافظة إدلب السورية، ووصفها بالقول: "ثمة بؤرة إرهابية واحدة متبقية في سوريا بإدلب، ولا مشكلة بمكافحة الإرهاب هناك".
"استعدادات"
في غضون ذلك وعلى طول خط جبهات الطريق الدولي "أم 4" تكثف الفصائل السورية المدعومة من أنقرة استعداداتها لأي هجوم بري محتمل، في الأيام المقبلة.
وبالتزامن مع ذلك تواصل أنقرة الدفع بالتعزيزات إلى منطقة جبل الزاوية بالريف الجنوبي لإدلب، وكان آخر تلك التعزيزات منتصف ليل الأحد- الاثنين، حيث دخلت من معبر كفرلوسين العسكري، وانتشرت في 3 مواقع، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام محلية.
النقيب ناجي مصطفى الناطق باسم تحالف "الجبهة الوطنية للتحرير" يقول إنهم اعتادوا على التصعيد الروسي قبل أي لقاء خاص بمحافظة إدلب، من أجل الحصول على مكاسب سياسية.
ويضيف مصطفى لموقع "الحرة" أن "الفصائل رفعت جاهزيتها للتصدي إلى أي محاولة هجوم بري. كافة السيناريوهات متوقعة لدينا، لأن روسيا لا تلتزم بأي عملية أو اتفاقية".
وتضم "الجبهة الوطنية للتحرير" عدة فصائل تصنف على أنها "معتدلة"، وينتشر مقاتلوها في عموم محافظة إدلب، وهناك انتشار آخر وكبير أيضا لـ"هيئة تحرير الشام" التي كانت تحمل في السابق اسم "جبهة النصرة".
وفي رده عما ستحمله الأيام المقبلة لإدلب يؤكد مصطفى: "كافة السيناريوهات متوقعة، ولذلك بدأنا الاستعداد القتالي، من خلال فتح معسكرات جديدة، وإعداد قوات نوعية".
وأضاف : "قمنا أيضا بتحصين الجبهات، من أجل إفشال الخطط الهجومية على كافة المحاور والجبهات".
وفي تقرير آخر حذر فريق "منسقو استجابة سوريا" من خطورة التصريحات الروسية الأخيرة الصادرة على لسان لافروف والتي وصف خلالها إدلب بأنها "منطقة إرهابية"، معتبرا أنها قد تكون مقدمة لمزيد من التصعيد الروسي.
وجاء في البيان أن "الخروقات بلغت منذ مطلع سبتمبر 483 خرقا"، محذرا في الوقت ذاته من مؤشرات توحي بأن النظام وروسيا يسعيان إلى إعادة العمليات العسكرية في المنطقة والسيطرة على مساحات جديدة.
ووفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) هناك حوالي 2.7 مليون نازح في آخر منطقة تسيطر عليها المعارضة في إدلب وأجزاء أخرى من شمال غرب سوريا، بما في ذلك 1.6 مليون منتشرون في أكثر من 1,300 مخيم وموقع غير رسمي، ولا توجد مرافق صحية أو مدارس أو غيرها من المرافق الضرورية للجميع.
وفي العام الماضي فقط أشار "أوتشا" إلى أن مليون شخص نزح في هذه المنطقة بسبب القتال، وأنه لا يزال الكثير منهم يعيشون تحت أشجار الزيتون على جنبات الطرق، حيث لا توجد مخيمات كافية لإيواء جميع هؤلاء الأشخاص، موضحا أن "الاستجابة الدولية لم تواكب حجم الأزمة.