
تَمرُّ بنا هذه الأيام الذكرى السنوية الخامسة لتحرير مدينة جسر الشغور شمال غربي سوريا، بعد معارك عنيفة مع قوات الأسد، وحملات قصف ممنهجة شهدتها أرجاء المدينة على طول الخمس سنوات الماضية؛ ما تسبب في حملات نزوح وتهجير قسري للأهالي لمرات عديدة.. 5 سنوات من التحديات ومراحل البناء والنهوض بالمدينة إداريًا وخدميًا واقتصاديًا وأمنيًا، جسر الشغور المدينة المنسية شمال غرب سوريا.
جسر الشغور أصل تسميها جسر الثغور نسبة للثغر، وهو مربط الحرس الذي يخشىى تسلل الأعداء منه، إلا أن هذه التسمية اختفت مع الوقت وتحولت إلى الشغور، أخف للنطق وأسهل للتداول، بلغ عدد سكانها عام 2010 إلى 44322 نسمة، أكثر ما اشتهرت به المدينة مجرزة 1980، وفرحة التحرير سنة 2015.
انتفضت جسر الشغور مع عدد من المدن السورية على رأسها حماة وإدلب وحمص في آذار 1980؛ حيث انتفضت هذه المدن معلنة رفضها لعصابات رفعت وحافظ الأسد، ومؤيد لكل الانتفاضات الشعبية التي أنهكت وحدات الأمن الأسدية آنذاك، قبل أن تخمد العصابات الإجرامية هذه الانتفاضة بالدبابات والمدفع والنيران، ولا يزال الناس إلى اليوم يذكرون المجزرة الرهيبة التي ارتكبتها العصابة تحت جناح الظلام على مدار 3 أيام متتالية حيث طوقوا المدينة من جهاتها الأربع، بعد أن استقدموا جيوشًا جرارة بالمروحيات، فباشروا الاقتحام ليلًا وقتلوا كل من وجدوه وأحرقوا المحلات التجارية بعد نهبها، ثم فرضوا حظر تجوال على سائر المدينة، واعتقلوا أغلب الرجال ونقلوهم إلى إدلب، ومن أبشع ما جرى قتلهم طفلًا في حضن أمه، والتي فارقت الحياة من هول ما رأت.
هذه المدينة لم تكن لتنسى المأساة ولا لتُصالح الجلاد، ومع انطلاق أول شرارة الثورة كان لها قصب السبق في المشاركة والانتفاضة من جديد، إلا أن العصابة اتخذتها ثكنة عسكرية واستقدمت لها تعزيزات وفرضت على أهلها حالة من الخوف والإرهاب لتكميم الأفواه وإحصائها.
ولم تمضي إلا سنوات قليلة على انطلاقة الثورة، واستجابة لنداء الأهالي، رتب المجاهدون صفوفهم وأعلنوا عن معركة في 25 نيسان 2015 أطلقوا عليها "معركة النصر"، لتحرير المدينة والقرى المحيطة بها، فتحررت المدينة والقرى المحيطة بها في ظرف وجيز جدًا، بعد أن فتحها الأبطال مهاجرون وأنصار، فهلل المدنيون فرحًا وابتهاجًا بلحظة طالت عليهم وطالما انتظرناها بفارغ الصبر.
تحررت المدينة وتنفس الناس الصعداء والتقى الأحباب من جديد، وعلا في المدينة التكبير وارتفعت المآذن بالتهليل، وعبد الناس الله في حرية غير مسبوقة، وانتشر الحجاب والعفاف، وقلّت المعاصي لدرجة كبيرة ولله الحمد.
هذا الواقع الذي فرضته المعركة توجّب على الثوار إدارة هذه المناطق وتسليمها لجهات مدنية تشرف على الخدمات والإدارة فيها، بما يحقق مصالح الناس ويحفظها، رغم قلة الإمكانات والموارد؛ حيث دمّر طيران الاحتلال البنية التحتية لأغلب مرافق المدينة وأخرجها عن الخدمة، بل لم تسلم منه حتى الأسواق المزدحمة، التي قصفت مرارًا وسقط بها شهداء أغلبهم نساء وأطفال كان أبرزها مجزرة 47 شهيدًا في الشارع الرئيسي للمدينة قبل سنتين.
كما كانت المدينة على عهد مع خلايا "تنظيم الدولة"، وخلايا النظام الطائفي، فقد اجتمعوا على زرع العبوات وتفجير السيارات المفخخة، بلا حياء ولا وجل، فدخلت المدينة في تحدي أمني كبير، استوجب العمل على هذه الخلايا الإجرامية، حيث تمكنت الجهات الأمنية المختصة من ضبط عشرات الجواسيس ومحاكمتهم بما يوجب ردعهم وتوقيفهم.
جسر الشغور اليوم كغيرها من المدن والبلدات المحررة، تعاني في صمت وتبكي في هدوء، أهلها مهجّرون في العراء، وسط عجز الكثير من المنظمات عن تأمين أبسط أساسيات الحياة، إلا أنها مع ذلك تتطلع لغذ أفضل ومستقبل واعد، وما ذلك على الله بعزيز.