
دخلت الثورة السورية، عامها السابع، وهي تعاني من تشرذم الفصائل العسكرية، فضلًا عن غياب كبير لدور العلماء والدعاة على الساحة؛ إذ استطاعت روسيا أن تعيد تثبيت أقدام النظام السوري مجددًا.
ولقراءة المشهد عن قرب بشأن غياب دور العلماء والدعاة، وسبب عدم توحّد الفصائل الثورية في جسم عسكريّ واحد، حاورت "شبكة الدرر الشامية"، الشيخ عبدرازاق المهدي، أحد مؤسسي تجمع "أهل العلم في الشام"، والقاضي في "جيش الفتح" سابقًا.
وعدَّد "المهدي" أسبابًا كثيرة لغياب دور العلماء، ومنها هجرتهم إلى خارج سوريا، فيما فقد الكثير منهم دوره على الساحة بسبب انضمامهم إلى الفصائل، متحدثًا أيضًا عن ضرورة وجود مبادرة فاعلة لتوحيد الفصائل في الوقت الحالي.
نص الحوار
الدرر: لماذا غاب دور العلماء والدعاة عن الساحة السورية وقيادة الثورة؟
الشيخ المهدي: هناك أسباب كثيرة، منها أهمها أن العلماء والدعاة المشهورين، الذين عارضوا النظام ووقفوا مع الثورة، خرج معظمهم إلى تركيا أو الأردن أو الدول الأوربية وغيرها، وكان من الممكن أن يكون لهم دورٌ فاعلٌ في جمع الكلمة وضبط الساحة، أما من بقي من الدعاة وطلبة العلم حاولوا قدر الإمكان، ولكن انضمام كثير منهم للفصائل أفقدهم دورهم، وأصبحوا غير مسموعي الكلمة في نظر أتباع وعناصر الفصائل الأخرى، بعد أن باتوا محسوبين على الفصيل الفلاني، فالأصل في الدعاة وطلبة العلم أن يكونوا بعيدين عن الفصائل حتى يسمع لهم الجميع.
والشعب يتأثر بطلبة العلم الذين يعيشون معهم تحت القصف ويقاسون معهم مرارة الجوع والحصار والبرد القارس ويشعر بآلامهم وأفراحهم وغير ذلك، فلذلك غياب الكثير من الدعاة عن الساحة أفقدهم دورهم.
والعلماء مارسوا دورًا وإن كان محدودًا، ولكنه كان إيجابيًّا للتصدي لدعاة الفتنة، كما كان لهم دورٌ في التحذير من أهل الغلو، خاصة جماعة البغدادي فقد حذروا منهم من البداية، وبينوا أن هؤلاء خوارج وأنهم غلاة تكفيريون، إضافةً للتحذير من دعاة العلمانية وما في معناها.
الدرر: ما السبيل لتوحيد الفصائل الثورية في جسم عسكريّ؟
الشيخ المهدي: لابد من طرح مبادرة حقيقية لكيان واحد، يضم جميع فصائل الثورة السورية، وظروف هذه الأيام مواتية من أجل هذا المشروع، خاصة بعد أن عادت الفصائل التي توقفت عن العمل العسكري إلى تشكيل غرفة "عمليات دحر الغزاة".
هذه الغرفة ضمت 11 فصيلًا، وقد شاركت في صد هجمات النظام وحلفاؤه في ريف حماة، ورابطت على عشرات النقاط في حلب واللاذقية، إضافةً إلى كتلة أخرى متمثلة في "هيئة تحرير الشام" ومن معها، وما بقي إلا خطوة الاندماج بين الكتلتين، ولكن الحقيقة ما نفتقده هو "المبادر" الذي يملك تأثيرًا ونفوذًا على هذه الأطراف.
الدرر: برأيك هل تعتقد أن المؤتمرات الدولية ستحقق طموحات الشعب السوري؟
الشيخ المهدي: هذه المؤتمرات (جنيف - أستانا - سوتشي) لن تحقق طموحات الشعب السوري، الذي هتف في بداية الثورة "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكذلك الشعب يريد محاكمة هذا النظام المجرم وجميع رموزه، ويريد العدالة وتطبيق شرع الله فهذه المؤتمرات لا تضمن إسقاط النظام، فضلًا عن محاكمته أو إقامة أي عدالة.
والشعب السوري المقدام وجَّه صفعة قوية على وجه روسيا و"بوتين" في رفضه لمؤتمر "سوتشي"، الذي هو في حقيقته مؤامرة دبّرها "بوتين"، حيث أدرك هذا الشعب أن روسيا عدو، ولا فرق بينها وبين بشار الأسد ومرشد الثورة الإيرانية على خامئني.
ويجب استثمار هذا الموقف في التوحد واجتماع الكلمة، من خلال رفض كافة قوى المعارضة لمؤتمر سوتشي ومقرراته، فالحقيقة.. واجب على الفصائل والفعاليات أن تجتمع، وكان ينبغي أن تُعرض مبادرة لتوحيد الكلمة، ولكن ذلك لم يحدث فهناك الكثير من المعوقات في الداخل والخارج.
الدرر: ماذا حققت الثورة من إنجازات وإخفاقات بعد 7 سنوات من عمرها؟
الشيخ المهدي: قيام الثورة في الأصل على هذا النظام المجرم يُعد إنجازًا، حيث يُعد نظام بشار الأسد نظامًا أمنيًّا من الدرجة الأولى، وصمود الثورة أمام هذا النظام برغم كثرة حلفاؤه من الإيرانيين وشيعة العراق ولبنان، وأخيرًا التحالف الدولي بقيادة أمريكا، بالإضافة إلى روسيا، ومع ذلك لايزال هذا الشعب صامدًا، وكشفت الثورة عن الكثير من المخادعين والمتاجرين الذين ادعوا أنهم مع الثورة وإن الثورة منهم براء.
صحيحٌ أن النظام وحلفاؤه نالوا من هذا الشعب، ولكن في المقابل نال الشعب منهم وكبدهم خسائر فادحة، وقتل آلاف العناصر والجنود من قوات بشار الأسد، حتى إنه لا تكاد تخلوا قرية من قرى العلويين إلا وفيها عشرات أو مئات القتلى والمصابين، كما قتل الثوار من الإيرانيين الكثير من بينهم جنرالات، ومن شيعة العراق و"حزب الله" قتل الآلاف على أرض الشام.
أما إخفاقات الثورة فتتمثل في عدم اجتماع الكلمة تحت راية واحدة، وقائد واحد، ومجلس شورى وقضاء موحد وغير ذالك، والطعن والتخوين والتسقيط لرموز أهل العلم والدعاة والمجاهدين في الداخل والخارج، من خلال المهاترات على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.
ومن الإخفاقات أيضًا فشل الثوار في المحافظة على الانتصارات التي حققوها في بداية الثورة؛ إذ أنهم تمكنو من تحرير نحو 75% من أراضي سوريا من نظام الأسد وحلفائه، فأصبحوا لا يسيطرون الآن إلا على 20% فقط، كما أخفقت فصائل الثورة في تحسين علاقاتها ومد الجسور مع الحاضنة الشعبية، إضافةً إلى فشلها في الجانب الاقتصادي والعلمي وحتى الجانب الدعوي.
الدرر: رسالة أخيرة تود أن توجهها في الختام لقوى الثورة؟
الشيخ المهدي: الواجب على الفصائل جميعها وقوى الثورة هو اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، ومتابعة القتال واستمراريته حتى طرد الغزاة الروس والإيرانيين، ومن معهم من الميليشيات الطائفية والتحالف الأمريكي، وحتى إسقاط النظام المجرم.