مناطق آمنة أم مناطق نفوذ؟!

مناطق آمنة أم مناطق نفوذ؟!

افتتح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عهده الجديد في الرئاسة اﻷمريكية بتأكيده على عزمه إقامة مناطق آمنة في سوريا بالتزامن مع قرارات إدارية أثارت الضجة حول العالم، وفي مقدمتها منع حاملي جنسيات سبع دول إسلامية من بينها سوريا من الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ويلوّح ترامب أيضًا بطرد اللاجئين الذين دخلوا إلى بلاده وفي معرض جوابه عن سؤال: أين سيذهبون؟ وهل ستقيمون لهم مناطق آمنة في بلادهم؟ قال: بالتأكيد سنقيم مناطق آمنة.

بدا جواب ترامب مجرّد تبرير لطرد السوريين، إلا أنه لقي صدى واسعًا حول العالم، وكان من اللافت أخذ الكرملين الروسي لتلك التصريحات على محمل الجد؛ حيث استهجن الإعلان، محذرًا من أن هذه الخطوة ستؤدي إلى عواقب من شأنها أن تفاقم وضع اللاجئين، وداعيًا ترامب لإعادة التفكير بالموضوع.

أما تركيا التي تأزمت علاقتها لدرجات قصوى بالولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق "أوباما"  فقد قالت: إنها تنتظر لترى، وذكّرت بأنها دعت لتلك الخطوة منذ زمن، فيما رحّبت قطر بذلك مؤكدة على ضرورة حماية المدنيين، وأعرب مندوب فرنسا في الأمم المتحدة استعداد بلاده لمناقشة المقترح الأمريكي حول إقامة مناطق آمنة في سوريا وقال: إن فرنسا منفتحة أمام الفكرة، وستعمل على مناقشتها مع إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

البيت اﻷبيض أكد أنه لا خطوات فعلية حتى اﻵن لإقامة تلك المناطق، إلا أن "رويترز" قالت: إنها اطلعت على تقرير يفيد بإصدار ترامب توجيهاته في هذا الإطار، وطالب الجهات المعنية بإعداد خطة لمقترحه في 90 يومًا.

ولم يكشف أيّ من المصادر الرسميّة معلومات عن تلك المناطق، إلا أن موقع "ديبكا" اﻹسرائيلي المختص بنشر التسريبات الاستخباراتية نشر خريطة لأربع مناطق، وقال: إنه طبقًا للقرار أيضًا يتوجب على إيران والميليشيات الشيعية الموالية لها وحزب الله أن تترك سوريا، ويتولى جيش الولايات المتحدة السيطرة على اثنتين من المناطق الآمنة في سوريا، هما شمال سوريا على الحدود مع العراق، وكل مناطق شرق نهر الفرات بما في ذلك المناطق ذات الغالبية الكردية.

وقال الموقع: إنه في نهاية عام 2016 توصل الرئيسان أوباما وبوتين إلى توزيع مناطق النفوذ بينهما بحيث تكون المناطق الشرقية لنهر الفرات منطقة نفوذ أمريكية، وجميع المناطق الواقعة بشواطئ البحر الأبيض المتوسط منطقة نفوذ روسية.

أما المنطقة التركية فتمتد على طول جزء الحدود المشتركة بين تركيا وسوريا، وعلى عمق ما بين 35 إلى 50 كيلومترًا داخل سوريا، إلى مدينة الباب؛ حيث هناك يقاتل الجيش السوري الحر مدعومًا بالقوات التركية في إطار درع الفرات، وذكرت مصادر عسكرية واستخباراتية من ديبكا أن التغيير الأكبر بالنسبة ﻹسرائيل هو في المقام الأول بناء منطقة أمنية أمريكية رقم 2 في جنوب سوريا، على طول الحدود بين إسرائيل والأردن مع سوريا.

كما أكد الموقع أن الرئيسين ترامب وبوتين اتفقا على أن القوات العسكرية الإيرانية سيتم سحبها من سوريا، وسوف يضطر حزب الله للعودة إلى لبنان، وإذا حدث هذا حقًّا فإنه يعني قطع نفوذ إيران وحزب الله في منطقة الشرق الأوسط والعودة إلى حجمها الطبيعي.

وأعلنت "رويترز" أن قوات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بقيادة الولايات المتحدة اﻷمريكية زوّدت ميليشيات "سوريا الديمقراطية" التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمادها بآليات عسكرية تشمل عربات مدرعة للمرة الأولى؛ ما يعكس مخاوف من تعزيز تلك المناطق لسيطرة ميليشيات YPG وترسيخها.

وفي جانبٍ آخر يتم نشر المزيد من أفراد الشرطة العسكرية الروسية في العاصمة السورية دمشق بعد نشرها في حلب، وتشدد روسيا من قبضتها على المساحة الممتدة بين العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية-الصناعية لسوريا وغربًا حتى شواطئ البحر اﻷبيض المتوسط.

أما تركيا فقد تمكنت من دق إسفين بين مناطق نفوذ YPG بين شرقي وغربي المتوسط، واستطاعت إبعاد خطر تلك الميليشيات عن حدودها، وتتحدّث مصادر تركية عن استعداد تنظيم الدولة للانسحاب من مدينة الباب الاستراتيجية بريف حلب الشرقي، فيما تحاول قوات اﻷسد مسابقة "درع الفرات" للسيطرة عليها.

ويبقى إعلان ترامب مجرّد تصريحات لم تتضح معالمها بعد، خاصة في ظل وجود عقدة تشابك المصالح الدولية البالغة التعقيد والتي تجتمع خيوطها في سوريا، ومن أهم تلك الخيوط العلاقات الأمريكية الروسية ومآلاتها في عهد ترامب، والحماس الفرنسي المؤيد للعمل العسكري ضد قوات اﻷسد مع الشعور اﻷوروبي باﻹقصاء اﻷمريكي عن سوريا والشرق اﻷوسط، والخيارات التي من الممكن أن تتخذها تركيا مع وجود استنزاف اقتصادي وعسكري وتردي علاقات مع الحلفاء التقليديين في حلف الناتو.

المصدر: 
الدرر الشامية



إقرأ أيضا